فضل الدعاء للدكتور عمرو خالد
كل حديث مذكور اسناده الصحيح اسئل الله ان يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداًاقتربت نسمات ليلة القدر
وستبدأ من يوم الثلاثاء العشرة الأواخر ونقترب من الجائزة
العظيمة في حياتنا، ولذلك إن شاء الله ستكون الثلاثة أيام
القادمة سيكون كلامنا مركز على أعظم استفادة نستطيع تحقيقها
في العشر الأواخر، وسيكون شحن القلوب للاستعداد للعشر
الأواخر غداً بأقصى ما نستطيع، أما بعد الغد سنقول ماذا نفعل
بالتفصيل في كل ليلة من ليالي العشر الأواخر وماذا سيكون
جدولكن وستكون اليوم التمهيد للعشر الأواخر وهي مقدمة هامة
وستكون كلمتنا عن شيء أساسي وجائزة عظيمة يمكنك
تحقيقها في العشر الأواخر إذا ركزت وعرفت قيمتها، فكلمة
اليوم عن الدعاء ...ودعاء ليلة القدر مستجاب، ولكي تصبح
مشحون لهذه الإجابة فستكون كل كلمتنا اليوم عن الدعاء
وفضل الدعاء وقيمة الدعاء وثقتك في استجابة الدعاء وشروط
استجابة الدعاء وآداب الدعاء والنبي وهو يدعو، فلنحيا سوياً
مع هذه الأمور بالتفصيل. نبدأ بفضل الدعاء وحلاوة الدعاء،
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله
أبعيد ربنا فنناديه ؟ أم قريب فنناجيه ؟ )، والرجل يقصد هل
يرفع صوته ويهتف : يا رب يا رب بأعلى ما يستطيع أم يكون
دعاءه في هيئة مناجاة، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن
سؤال مثل هذا لابد أن الله تبارك وتعالى هو الذي يرد عليه،
فالرد الذي نستطيع تخمينه : قريب، لكن الأجمل أن القريب هو
الذي يخبرك أنه قريب ولا يوسط من يقولها لك، فنزل قول الله
عز وجل مباشرة من السماء في سورة البقرة الآية 186: ((وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ))، هل تعلم أين
موقع هذه الآية في القرآن ؟ هي في وسط آيات الصيام، ونحن
أيضاً الآن في وسط رمضان ونقولها فهي شديدة الارتباط
برمضان وكأن هذه الآية سارية المفعول طوال العام، لكن في
رمضان مفعولها أقوى وأكبر، والدليل على ذلك إنها جاءت في
منتصف آيات الصيام، ولماذا لم تجيء بعد آيات الصيام ؟ لأنه
مطلوب أن تشعر أن هذه الآية ممزوجة في آيات الصيامفي الآية
مجموعة نقاط جميلة جداً، النقطة الأولى : أن كل الآيات الأخرى
التي بها لفظ : ((وَإِذَا سَأَلَكَ...)) لابد أن يأتي بعدها كلمة :
((قُلْ...)) وكأنها تفوض النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجاوب
على هذا السؤال، فالآية 189 من سورة البقرة مثلا :
((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ...))، والآية 122
من سورة البقرة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى...))، وفي
الآية 217 من سورة البقرة : ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ
فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ...))، والآية 219 من سورة البقرة :
((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا...))، والسؤال الوحيد
في القرآن كله الذي ليس به كلمة قل كرد على ويسألونك عي
تلك الآية، أنت وربك فقط ولا يوجد وسيط لكي يشعرك بأن ا
لقرب شديد جداً، ولاحظ كل الآيات الأخرى لابد أن تجد بهم
واسطة وأن النبي صلى الله عليه وسلم مفوض بالإجابة، لكن
هنا لا تفويض في الإجابة بل الأمر بينك وبين الله الآن وفوراً،
ومن الممكن جداً أن يجلس أحد في وسطنا الآن لا نلاحظه ولا
نعرفه ويدعي بدعوة بسببها أكرمنا الله جميعاً، وربما يكون
أبسطنا، وربما يكون أقلنا معلومات، وربما تكون سيدة بسيطة
جداً جداً وبجانبها أخرى تضيق عليها في الجلوس، لكن هي
تدعو أن يكرمنا الله جميعاً، فتنزل الرحمة على كل الموجودين
بسبب هذه المرأة، وغداً ربما نجد أنفسنا غير خاشعين وبدون
أن نعرف السبب، فقد يكون أحد ممن كانوا يجلسون أمس
وسطنا ممن يستجيب الله لهم، ونعرف هذا الكلام يوم القيامة
((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي...)) وكلمة إني تدل على القرب
كله، ويجيء بعدها قرب أخر : ((...فَإِنِّي قَرِيبٌ...)) انظر لكلمة
قريب ! فإذا لم تكون موجودة كانت الآية ستعطي نفس المعنى
أيضاً، لكن لابد وأنت تدعو تشعر بمعية الله عز وجل، ولابد
وأنت ساجد وتقول له يا رب أن تشعر إنه قريب، ولهذا قالها الله
تبارك وتعالى، أتعرف متى تطمئن أن الدعاء أستجيب ؟ العلامة
هي أن تشعر أنه قريب ويشعر بها قلبك،ولو لم تشعر بها فالله
أعلم إذا كانت الدعاء يستجاب أم، لأن وهذا هو هدف كلمة
قريب، إذن فعندما تحس بهذا القرب أكثر من الدعاء وذلك لأنه
سيستجاب.لاحظ هنا معنى لطيف جداً : ((...أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي...)) لم يقل دعوة المؤمن ! ولم يقل التقي !
مع أنه في آيات أخرى يخص المتقين بأشياء مثل سورة
الأعراف الآية 35 : ((...فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ...))
، لكن في الدعاء لم يذكر أي صفة، هذه الآية ألفت فيها كتب !
لأهميتها ! ولم يقل لك صفات الداعي فهو أي داعي، فلم يخبرك
بمكانه ولم يخبرك بحالته، و ((...إِذَا...)) هنا الشرطية تعني أنه
وقتما يدعي الله عز وجل يستجيب، فأعطاك أنت المفتاح ، ولم
يحدد زمن للاستجابة فلم يقل الثلث الأخير من الليل مثلاًن رغم
أنه وقت به الإجابة أكثر، لكن الله لم يشترط عليك وقت وأعطاك
مفتاح الدعاء لكي تدعو وقتما شئت ! فكيف تسمع هذه الآية ولا
تدعو بعد ذلك ؟ أو تدعو وتشك في الإجابة ؟ لا، بل أكيد
سيستجاب لك بإذن الله، ولذلك إذا سألتموني ما هدفي من هذه
الكلمة في النهاية ؟ هو إنك تعشق كلمة دعاء، وتكون متأكد أن
ما ستدعو به في العشر الأواخر سيستجاب، وكذلك كان
الصحابة يقولون : ( كنا نعد خمس دعوات أو ست دعوات في
شهر رمضان، نلح عليهم طوال الشهر فوالله ينقضي رمضان
ولا يأتي رمضان القادم إلا وقد أجاب الله لنا كل ما دعوناه به)،
فالموضوع مجرب من قبل وليس بالجديد، واسمع هذه الآية
60 من سورة غافر : ((وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...)) فالله
هو الذي يطلب منا أن ندعوه وضمن لنا الإجابةولذلك يقول
سيدنا عمر بن الخطاب : ( أنا لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل
هم الدعاء ) ويقصد أن مشكلته أن يوفقه الله للدعاء، فمن
يسافرون للعمرة يفهمون هذا المعنى، فيقولون لك أنهم
مسافرون ويحملون هم الدعاء وأن يوفقهم الله له وأن لا تتخلف
أي دعوة من دعواتهم، أما الاستجابة فمضمونة، وكلمة
((...ادْعُونِي...)) تشعرك إنه يطلب منك ! فمن يزال غير مصدق
أنه سيستجاب له ؟ انظر لقول الله تبارك وتعالى في الآية 55
و56 من سورة الأعراف: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ،
وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا...))
فلتدعوه من أجل خوفك من غضبه، وادعوه واطمع فيما تريد،
فهناك من يخبرونك باستحيائهم من الدعاء في العشرة الأواخر
بشيء دنيوي ويدعون بالآخرة فقط ! كيف وهو الذي يطمعك في
دعاءه ! فكيف لا تطمع ! ولذلك النبي يقول لنا ألا ندعي بالجنة،
بل بالفردوس الأعلى، فكن طموح ! وضع الطمع في الدعاء كما
تريدووالله إننا ندعو أحياناً بدعوات تشعر أن تحقيقها صعب،
وقد جربت هذا الأمر، لكن لو دعوت طمعاً ويقيناٌ ستدور الأيام
وتجد ما دعوته تحقق ! وتعجب ! فكما طلبتها حدثت !...ولكننا
ننسى، وأنا شخصياً لي دعوات في حياتي ما كنت أتخيل إنها
تستجاب أبداً ! وأفاجئ إنها تستجاب ! لدرجة أن استحيت أن
أدعي بأكثر من هذا أيتحقق ! ثم أستغفر فكل ما دعوت حدث !
ولكي يشعرك إن طمعاً متاحة فيختم الآية كالتالي : (( ...
وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ))،
ومع كل كلمة دعاء تجد كلمة قريب جاءت، فهل يوجد من لا
يحتاج الدعاء ! عل يوجد من ليس عنده مشاكل ! فلماذا لا ندعو
بالإلحاح والطمع المطلوب ؟ لماذا لا نكثر ؟ ليل ونهار ! عند ا
لإفطار وفي الثلث الأخير من الليل، وأنا نفسي غير راضي عن
كمية دعائيفنحن في رمضان ولابد أن يكون الدعاء صبح وليل
وخاصة في العشر الأواخر، وبقي يومان فقط عليهم، وليس أنتم
فقط بل رغبوا من حولكم في الدعاء، فلدينا فرصة ذهبية، بماذا
تحلم ؟ وماذا تريد ؟ فأحياناً نسرع لنطلب من الناس ونقف على
أبوابهم بالساعات ونترجاهم، أيلجأ الفقير إلى الفقير ! أيتعلق
الغريق بالغريق ! وعندك رب العبيد يعرض عليك الإجابة ! يا
للعجب أن نتذلل للناس ونبكي بين أيديهم ! ولست أقول أن لا
نسأل الناس بالتأكيد لا، فليس ذلك حرام والمهم هو التوكل على
الله، وأن تقول يا رب قبل أن تطلب من الناس، فالتي لديها ابن
مريض قبل أن تستنجد بالدكتور فلتقل يا رب قبل أي شيء،
ومن لديه مشكلات في العمل تؤثر على عبادته في رمضان فبدلاً
من انتظار المدير العام وقبل أن تفكر في لقاءه أصلاً فلتقل يا
رب، والذي لديه مشكلات اقتصادية فليقل يا رب، والتي لديها
مشكلة مع زوجها أو الذي عنده مشكلة مع زوجته يأتونني
هؤلاء كثيراً فأقول لهم أن يدعو فيقولون نريد كلام عملي وليس
نظري ! والله إن هذا هو العملي، أن تقول يا رب، لو عندك
مشكلة منذ سنوات ألح بالدعاء إلحاح غير عادي في العشر
الأواخر القادمين...فكم هو قريبالله تبارك وتعالى ينادي : (( يا
عبادي كلكم عار إلا من كسوته فإستكسوني أكسكم ...)
وإستكسوني تعني اطلبوا الكسوة أما عار فلا تعني لا يجد
الملبس، بل هو من عنده ذنوب كثيرة أو مشكلات كثيرة أو
أخلاق سيئة كثيرة أو فضائح كثيرة، فإذا لم تلجأ لله فأنت عار
(( كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني ....))، (( كلكم ضال
إلا من هديته فاستهدوني...)) فالخائف من السقوط بعد
رمضان، والخائف من أن يعود كما كان،الحل أمامك: اطلب من
الله الهداية، اسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقولك :
( الدعاء هو العبادة ) رغم أن الحديث ثلاث كلمات فقط إلا إنه
معجز، فماذا يعني ؟ وماذا تكون الصلاة إذن ؟ وماذا يكون الحج
إذن ؟...كلمة هو العبادة تعني أنه خلاصة العبادة....أليست
الصلاة عبادة والزكاة عبادة ؟ نعم، ولكن ما الهدف في الأصل
من العبادة ؟ وما معنى كلمة عبادة ؟ الذل إلى الله والخضوع إلى
الله، ما أول ما يطرأ على ذهنك عندما تسمع كلمة عبودية أو
عبد ؟ خادم وذليل عند سيده خاضع لديه،وهناك من يصلي لكن
لا يشعر بالذل أو الخضوع إلى الله وذلك لقصر فهمهم عدا
المؤمنين لأن الصلاة لابد وأن تأتي بالخضوع وإلا فهو لا يفهم
الصلاة، وآخرين يزكون ولا يشعروا في الزكاة بحلاوة الخضوع
إلى الله، وآخرين يعتمرون ولا يشعروا بحلاوة الخضوع إلى الله،
لكن لا يمكن أن ترفع يديك وتستنجد به وأنت لا تشعر بالخضوع
على الله ...ولهذا أصبح الدعاء هو العبادة فهو أكثر عبادة
تشعرك بالخضوع والذل إلى اللهوأنا لدي حب استطلاع لأعرف
من أمامي هل عنده عبودية أم لا، أراه وهو يصلي فلا أعرف !
فكيف لي أن أعرف ما يفعله وهو ساجد ! فالله أعلم أ القلب
خاشع أم لا ؟ لكن إذا نظرت له وهو يدعو فتقول إن هذا الرجل
موصول بالله، لأن هناك آخرون وهم يدعون بدون حتى أن
يرفعوا أيديهم ! وأحياناً نكون على عرفات ! وفي جو إيماني !
ووسط كل هذا تجد من رافع رأسه في شموخ فقط يردد آمين !
هذه مناجاة لله عز وجل فارفع يديك وأنت تدعو، وانظر للنبي
وهو يدعو لتعرف لماذا الدعاء هو العبادة، فكان النبي يمد يديه
الاثنان للأمام ويبسطهم و ينزل رأسه للأسفل، أرأيت الخضوع !
وأحياناً يرفع يديه إلى أعلى حتى يظهر بياض إبطيهولهذا فهناك
أمر هام جداً لم يفكر به أحد من قبل، هل تظن أن الله جعل
الدعاء من أجل طلباتنا فقط ؟ لا، بل الدعاء له فائدة أخرى أنه
يعلمك العبودية لله تبارك وتعالى، فمن ليس لديه مشاكل لماذا
يدعو؟ لأن الدعاء عبودية، والعبودية في حد ذاتها أمرنا الله
بها، وأنت تحتاج إليها ...ولذلك الدعاء دعاءين : دعاء مسألة
ودعاء مذلة لله عز وجل، وكلاهما مطلوب ولابد أن يمزجوا
سوياً أثناء الدعاء، فحينما تدعو الله لحل مشكلاتك تعلم نفسك
أيضا العبودية، واسمع الحديث الثاني يقول النبي صلى الله عليه
وسلم : ( من لا يسأل الله يغضب عليه ) فالدعاء مطلوب حتى
ولو ليس لديك مشكلات، لابد أن ترفع يديك...فمن يمر عليه
ثلاث أيام في رمضان وهو لا يدعو أخشى أن ينطبق عليه هذا
الحديث، لأن من لا يسأل الله في غير رمضان تعني أن يمر عليه
الأسبوع بلا دعاء، فما بالكم برمضان لابد أن لا يمر يومين أو
ثلاثة بدون دعاء، بل لابد وأن ترفع يدك مرة واثنان في اليوم
الواحد قائلاً يا رب، ألا يوجد لديك مشاكل فلماذا لا تقلها له ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا
يهلك مع الدعاء أحد ) ومعنى الحديث أن لا تيأسوا من الدعاء
أبداً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا فتح لكم باب
الدعاء فاعلموا أنه قد فتح لكم باب الرحمة )، فإذا أذن لك
بالدعاء في وقت معين اعلم أنه في نفس الوقت هذا فتح لك باب
أخر ربما لا تراه أنت لكن ستشعر به في قلبك اسمه باب
الرحمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس شيء أكرم
على الله عز وجل من الدعاء )، وهذا لأنك حققت العبودية بأن
رفعت يديك له، وهذا ما أراده، وأنت الآن وفي هذه اللحظة
أصبحت عبد حقيقي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله
حيي كريم... ) وكلمة حيي تعني كثير الحياء، لكن لا نسأل كيف
ونترك المراد إلى الله عز وجل، وكريم هو الذي يعطي دون أن
يسأل، فكيف إذا سأل ! ولأن النبي يتحدث عن إجابة الدعاء
فجاء بكلمة حيي ويقصد بها إنك مهما ألححت على الله عز وجل
فلن يغضب منك، فأنت كبشر إذا طلبك أحدهم على التليفون
المحمول كثيراً وأنت لا تريد أن ترد، وأنا شخصياً يحدث معي
هذا الأمر بكثرة وأضطر في النهاية أن أرد، ونفس الشيء إذا
جاء أحدهم وألح على طرق الباب وأنت لا تريد أن تفتح له،
لكن بعد الإلحاح ستفتح، وجاء بصفة الكريم الذي يعطي دون أن
يسأل فكيف إذا سأل، وكان النبي قصد إسماعنا هاتين الصفتين
من صفات الله عز وجل لندعو ونحن مطمئنينهذا الحديث جد
رائع ( إن الله حيي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه يقول يا رب
ثم يردهما صفراً خائبتين ) وصفراً مشتقة من صفر أو بدون
شيء، بالله عليك من يسمع هذا الحديث ولا يدعو ؟ كل ما سبق
أردت منه تشويقك للدعاء، فلنرى سوياً نماذج إجابة الدعاء في
القرآن وكلها نماذج مستحيلة ومتنوعة وفي كل نواحي الحياة،
فسيدنا زكريا أراد الذرية وكان شيخ كبير وهن العظم منه
وامرأته عاقراً وهو اشتعل رأسه شيباً ولا الستينات، ونشعر
بهذا من كلمة اشتعل، وهو مع ذلك يدعو قال في سورة الأنبياء
الآية 89: (( ... رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ))، فلله
ميراث كل شيء، لكنه أراد أن يكون لديه أبناء وفي الآية 90 :
((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ...)) وهذا
النموذج يعاني منه رجل ونساء أحياناً لمدة عشر سنوات ويدون
طوال هذه المدة ويستجاب لهم في الآخروقد فوجئت بحالتين
منهم ناس خرجوا للحج العام الماضي، وقد حرموا من الإنجاب
إحدى عشر عاماً، وأنا مررت بهذه التجربة شخصياً وأيضا
فوجئت بمن يحكيها لي وقد حدثت معه بالضبط، يقول لي طلعت
على عرفة وقت لنفسي :أليس هو يوم إجابة دعاء يقيناً ؟ فكيف
أشك ولو للحظة ؟ سأظل أدعو طوال عرفة بهذا الموضوع،
يقول لي : نزلت من عرفات وذهبت لمنى وأول يوم في منى
كلمت زوجتي لأطمئن عليها بمصر، فقالت لي أنها كانت متعبة
فذهبت للطبيب وأخبرها بأنها حامل، والله إن هذا الرجل هو
أنا !...هذا ما حدث معي بالضبط ! وأنا ما أحكيه عن سيدنا
زكريا أربطه بالواقع لأنه ليس مستحيل، سيدنا نوح قال في
سورة القمر الآية رقم 10: (( ... أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)) دعا
بكلمة واحدة وانظر النتيجة في الآية التي بعدها رقم 11 و12 و
13 : ((فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ،
وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ،
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ إذاً لو دعوت لإخوانك في
فلسطين، تجد الله أرسل لهم عزة وكرم على الفور، ولدينا
نموذج ثالث في قصة ثالثة وكلها أمور مستحيلة، فسيدنا نوح
كان في وسط صحراء فأجاب الله دعاءه بأخر ما يمكن تخيله
وهي أن تخرج الصحراء مياه ويخرج منها بسفينته وهكذا
نصره الله، انظر لسيدنا سليمان الذي دعا دعوة من آلاف السنين
في سورة ص الآية رقم 35 : (( ... وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي ِلأَحَدٍ
مِنْ بَعْدِي...)) فهل رأى أحد مثل ملك سليمان حتى الآن ؟ إذن
أجيبت الدعوة ومستمرة ليوم القيامة، هل هناك من تمشي
الطيور لتظليل موكبه ؟ فمن أين علم سيدنا سليمان بغياب
الهدهد ؟ ففي سورة النمل الآية رقم 17 : ((وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ
جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ )) فقط أصابه
ضوء الشمس من موكب الطيور التي تظلله، وكان هذا مكان
الهدهد في الموكب سيدنا إبراهيم في صحراء ومكان لا يتخيل
أحد أنها تعمر ! فهي قاحلة وسط جبال ! فدعا في سورة البقرة
الآية 126: (( ... رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ
الثَّمَرَاتِ...)) فكيف أصبحت مكة حتى يومنا هذا بسبب دعوته
التي استمرت رغم موته، فكلها نماذج مستحيلة وفي أمور
الحياة المختلفة...اقتصادية....اجتماعية...إنجاب...ملك...وا نظر
لدعوة أصعب...سيدنا أيوب منذ عشر أعوام أو عشرون عاماً،
قعيد لا يتحرك قال في الآية رقم 83 من سورة الأنبياء:
((...أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)) في الآية 84 التي
بعدها : ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ...)) وهذه الدعوة
لكل من عنده أمراض مزمنة، فلماذا لا تدعو ؟ ولماذا أنت غير
مصدق ؟ فمن الذي أمرضك ؟ وانظر لسيدنا إبراهيم من الآية
78
في سورة الشعراء وحتى الآية 82 : (( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ
يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ،وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ،
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ
الدِّينِ ))، ثم بعد كل ذلك ولن الله هو كل من يفعل ذلك، يبدأ
يدعو في الآية رقم 83 : ((رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ )).